إنها لحقيقة معروفة, أننا كلنا بالطبيعة أموات بالذنوب والخطايا, وبالتالي فان أعمالنا ميتة. ولا يمكننا أن نتحرر من هذا الموت وهذه الأعمال الميتة بدون الإيمان بكفارة المسيح المقرون في توبة حقيقية مخلصة
هذا أول أمر للخطاة, إنه بداية التعليم في الحياة المسيحية. مرقس 1: 15 وعب 5: 12 و 6: 1. إن الخاطىء غير المتجدد لا يستطيع أن يستجيب لفرائض ووصايا المسيح, وعلى هذا فإن التوبة الحقيقية المبنية على الثقة في مفعول موت الرب يسوع المسيح على الصليب لأجلنا يمكن مقارنتها بنار الممحص وأشنان القصار, النار التي تنقي الذهب والفضة من المواد الغريبة, والأشنان التي تزيل البقع السوداء من الأقمشة. ملاخي 3: 2. إن النار تمحص جميع أنواع المعادن وتنقيها لسبكها وتشكيلها. والسبب الذي من أجله يجب أن نتوب هو أن ” الله الذي بذل ابنه الوحيد لأجل خلاصنا أقام يوماً هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل برجل قد عينه مقدماً للجميع إيماناً إذ أقامه من الأموات” أعمال 17: 30 و 31. ولهذا فمن الضروري جداً أن نمر في النار, والسبك, والتشكيل, حتى لا نهلك ونطرح خارجاً في يوم الدينونة الرهيب لأننا لم نستعد, ولسنا مؤهلين للملكوت السماوي بلا ايمان حقيقي ملزم وتوبة حقة .
إن التوبة (أوحاجتنا للتوبة) تظهر أو تثبت لنا بأننا قد صرنا مذنبين, وعبيداً للخطية
الخطية أصلها الشيطان, لأنه “من البدء يخطىء” 1يو 3: 8
هناك كذب في كل خطية, والشيطان هو كذاب وأبو الكذاب, وهو قتال للناس من البدء. لأنه من البدء قد أخطأ
يوحنا 8: 44. لقد خلق الله آدم وحواء على صورته كشبهه, وطبع عليهما صفاته القدسية وملأ قلبيهما بالروح القدس. ولو أنهما استسلما لتعليم الروح القدس وسيادته بالطاعة لما سقطا, ولكن لأنهما لم يصدقا الله, بل صدقا الحية ( أو إبليس الذي استخدم الحية كوسيط) أصبحا معتدين. وذبحهما الشيطان بكذبة وصار قاتلاً لهما, لأنهما ماتا موتاً روحياً بفصلهما عن خالقهما مصدر حياتهما في نفس اليوم الذي أكلا فيه من الشجرة المحرمة
أن تعدي آدم وحواء هو أصل الخطية بالنسبة للإنسان. لأن الإنسان بعصيانه صار ميتاً مستقلاً عن خالقه ومصدر حياته, واستمطر اللعنة على نفسه, وكان من الممكن أن يهلك أبدياً لو لم يعده الله بالمخلص أو المنقذ الآتي الفادي لأنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة وليس اي دم بل دم كريم دم المسيح المعروف سابقا قبل تأسيس العالم . رسالة بطرس الأولى 1 :19-20
الله في محبته ورحمته التي لا يسبر غورها, قضى أمراً للجنس البشري, ووعد أن نسل المرأة (يسوع) سيسحق رأس الحية. ومع أن آدم آمن بهذا الوعد, وتجدد بالتوبة, لكنه مع ذلك بقي خاضعاً للموت, وخاطئاً بالطبيعة. وهذه الطبيعة الخاطئة قد غرست في كل نسله. وهذا التصور والطبيعة الشريرة يسمى “الخطية الموروثة” وكل طفل يولد في العالم يرث الخطية مزمور 51: 5, رومية 5: 12, 14, 15 . ولكن لأن الطفل ليس لديه خطية فعلية يُدان عليها, بل خطية موروثة فقط, فهو لا يستطيع أن يتوب لأنه لا يستطيع التمييز بين الخير والشر فداء المسيح غطاه.
إن هذه الخطية الأصلية في الطفل هي كبذرة في الأرض لم تعمق جذورها, وعلى هذا فنحن لا نجد شجرة الشر إذ لم تمد البذرة جذورها بعد, والشجرة لم تنمو بعد من هذه الجذور تثنية 1: 39 . ولكن عندما يصل الطفل إلى التمييز بين الخير والشر, ويستيقظ ضميره إلى حد إدانته على الخطايا التي يرتكبها, عندئذ تصبح هذه الخطايا تحت الدينونة, وإذا أراد طفل كهذا أن ينجو من دينونة الله العادلة فيجب أن يتوب ويؤمن باين الله لكي لا يهلك. ولكن الأطفال الذين ما زالوا أبرياء من الخطايا الفعليه سيرثون ملكوت الله بدون توبة أو ايمان, أو أية فريضة خارجية تعمل لهم, مع أنهم فيهم الخطية الموروثة. إن الخطية الموروثة قد غرست بعمق, وقد تأصلت جذورها في طبيعتنا حتى أنها لا يمكن أن تستأصل في هذه الحياة, لا من الطفل البريء ولا من المؤمنين المتجددين حتى يأتي الموت ويفني هذا الجسد, ثم تأتي القيامة وتغير شكل جسد تواضعنا الذي إخترقته الخطية, ليكون على صورة جسد مجد الرب يسوع المسيح. بهذا التغيير المجيد فقط نصير مؤهلين لنرث الملكوت السماوي, لأن لمحماً ودماً لن يرثا ملكوت الله 1كورنثوس 15: 50 و فيليبي 3: 21. الإنسان مكون من جسد ونفس وروح, وقد تسمم في مجموعه بالخطية والإثم, وعلى هذا فإن الشخص الذي يسلك في الخطية ميت 1تس 5: 23, أفسس 2: 1
إن روح الله يجاهد مع الإنسان ويريه أنه لا يمكن أن يقبله في يوم الدينونة بسبب آثامه ونجاساته, لأن الله قدوس وعادل, ولا يمكن لشخص غير طاهر أن يملك معه في الملكوت السماوي. عندما يحضّر روح الله هذه الأشياء للذهن فإن روح الإنسان المتحدة مع النفس والجسد تصبح مبكتة وقلقة وخائفة إلى حد أنها تشتاق إلى ملجأ تلجأ إليه, كي تنال حرية مجد أولاد الله رومية 8: 19 و21 و22. إن روح الله يعرف الإنسان ويعلم فساد قلبه, وخطاياه وآثامه العديدة. وروح الإنسان الخالدة تشتاق إلى التحرر من عبودية الفساد, وترغب في أن تأتي إلى حرية مجد أولاد الله.
كل هذه الأمور, تدفع الإنسان أن يشعر بخطاياه ويندم ويتوب عنها, عندئذ حين يدرك الإنسان أنه مصاب بمرض الخطية القاتل يجد نفسه مليئاً بفساد الخطية من الرأس إلى القدم, ويحس بالتعب من حمل خطاياه, عندئذ يستنجد بالمسيح الذي ينادي جميع هؤلاء الخطاة قائلاً: تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم
متى 11: 28 فيتطهّر بدمه وتغفر له خطاياه بالكامل بناء على كفارة المسيح على الصليب.
التبكيت أو الحزن والتأسف على الخاطايا يسبق التوبة. ومتى جاء ذاك (الروح القدس) يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة. اما على خطية فلانهم لا يؤمنون بي. واما على بر فلاني ذاهب الى ابي ولا ترونني ايضا. واما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين” (يوحنا 16: 8-11 )
إذا كان الخاطىء يشعر أنه قد أحزن الله بآثامه وخطاياه (حتى ولو كان صغيراً في السن ولم يعش إلا عمراً قصيراً في الخطية, فمثل هذا الصغير السن هو خاطىء في عيني الله, لأن كل ساعة من ساعات حياتنا ملك لله, وإذا إستخدم الإنسان وقته لذاته فهو يسرقه من الله) ومثل هذا الإنسان يتبكت ويحزن ” لأن الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشىء توبة ” 2كورنثوس 7: 10
إن الخطية تعرف بالناموس “.. على أن الخطية لا تحسب إن لم يكن ناموس ” رومية 5: 13 و7: 7. إن الناموس هو المرآة التي يرى فيها الخاطىء نجاسته التي تدينه حتى يتوب. يقول الناموس ” لا تشته ” وبهذه الكلمات يستطيع الخاطىء أن يرى كيف يعيش في الشهوة والرغبات الشريرة, الأشياء التي تجعل الناموس يحكم عليه بالموت “.. لأنه مكتوب ملعون كل من لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به ” غلاطية 3: 10 . وعلى هذا فإنه حين ينفذ نور ناموس الله المقدس في نفس الإنسان, ويعلن له تعديه , فإنه يدينه حتى بعلم أنه هالك وهلاكه محقق, فإن حزن وندم واعترف بذنبه لله, وبأن تصرفه وعمله يستحقان الموت الأبدي, عندئذٍ يبدأ الخاطئ بالبحث عن علاج لمرضه وخطيئته. وحين يتأمل الخاطئ المثقل بخطيئته في جدارة المُخلِّص الرب يسوع المسيح, ويعرف أنه بموت يسوع صار علاجاً له, وأنه باستحقاقات المسيح فقط وبره, قد أطفأ غضب الله ضده, لأنه احتمل هذا الغضب بدلاً عنه شخصياً على الصليب. عندئذ يقتنع الخاطىء بأن يطلب المسيح الطبيب الشافي ليحصل على الشفاء لمرضه .
فإن رأى الخاطئ انه ميت وعاجز روحياً, وآمن أن المسيح قد لاشى قوة الموت بموته على الصليب, وأن كل سلطان في السماء وعلى الأرض فد أعطي له, وإذا حزن من كل قلبه لأنه أحزن الله هذا الوقت الطويل, وتاب بحق وآمن بكفاية كفارة يسوع لأجله ، يستطيع أن يحصل على غفران خطاياه, وأنه بمعونة الله يقدرأن يحيا للرب, عندئذ بعمل إيمان كهذا, تغفر خطاياه, ويُرفع عن كاهله حمل آثامه, فيحيا في الرب يسوع المسيح، ويصير من عداد أولاد الله,
قبل ذلك كان ضميره يبكته, ولكنه الآن بالسلام, لأن برّ الله الذي يشتكي على الخاطىء, صار الآن واحداً مع البر الذي قد اشترك فيه في المسيح يسوع حلّ سلام بين الله القدّوس والإنسان الخاطىء كما يقول بولس : فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح رومية 5: 1
التوبة الحقيقية المرفقه بالإيمان تشتمل على الغفران, . وغفران الخطايا يجب أن يكون نتيجة لتوبة صادقة إلى الله , لأنه ما الجدوى من وضع الذهب في النار إذا لم يَتَنَقَّ ويتطهر, ويصبح صالحاً للسبك, وما فائدة ان نضع معدناً آخر في النار ولا نسبكه في شكل معين؟ على هذا فأن التوبة التي تحوي غفران الخطايا, مؤسسة على الثقة بمفعول دم المسيح المسفوك على الصليب لأجل كل خاطئ, ان سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كـــــل خطية. 1 يوحنا 1: 7 ، فنقبل الروح القدس ويصير لنا نصيب مع المقدسين ونصبح اولاداً لله مبررين بدم يسوع حمل الله الذي يرفع خطية العالم .
هذا هو ” شكل التعليم ” الذي به نخلص من الخطية, ونلبس قوة من الأعالي, حتى بنعمة الله نستطيع السير في طرقه “ فشكرا لله انكم كنتم عبيدا للخطية ولكنكم اطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها واذ أعتقتم من الخطية صرتم عبيدا للبر.” (رومية 6: 17-18 )