iManouna

أيُّ صومٍ يقبله الله؟ الخوري دانيال زغيب

أيُّ صومٍ يقبله الله؟

الخوري دانيال زغيب – خاص ايماننا Imanouna

في زمن الصَّوم الكبير، تتكاثر الأسئلة في شأن الصَّوم المقبول من الله. وتتكاثر أيضًا التَّساؤلات في ما يتعلَّق بوجوب الامتناع عن المأكل والمشرب، وبوجوب القِطاعة عن اللَّحم والبياض. وهل ينبغي أنْ نصوم يوَمي السَّبت والأحد؟ وهل الماء “يقطع” الصَّوم، ويُخرِّبه ويُبطلُه؟ أمَّا الأساس، فغالبًا ما نغفل عنه. فما هو الأساس في صومنا؟

صام الرَّبُّ يسوع أربعين يومًا وأربعين ليلةً من بَعْد قَبوله العماد، ومِن بَعْد أنْ اقتاده الرُّوحُ القدس إلى البرِّيَّة حيث جرَّبَه الـمُجرِّب (راجع مت 4: 1-2). وانتصر ابنُ الله على تجارب إبليس الكثيرة، لأنَّه استندَ إلى قوَّة الرُّوح وإلى ما كُتِبَ في البيبليا الَّتي كان يتأمَّلها ويعمل بما ورد فيها. وقال ربُّنا كلمتَه الفاصلة في أهمِّيَّة الصَّوم الحقيقيّ، “بحيث لا تظهر للنَّاس أنَّك صائمٌ بل لأبيك الَّذي يرى في الخفاء” (راجع مت 6: 16-18). ولـمَّا سأله الكتبة والفرِّيسيون عن سبب عدم صوم تلاميذه، أجابهم قائلًا: إنَّ بني العُرْس لا يصوموا ما دام العريس معهم. “ولكن حين يُرفَع عنهم العريس، حينئذٍ يصومون في تلك الأيَّام” (راجع لو 5: 33-35).

مِنَ الجميل أنْ نصومَ عن الأكل والشُّرب، وننقطع عن أكل اللُّحوم والأجبان، وأنْ نعيش الزُّهْد والنُّسْكَ، لنشعر مع الآخرين، ونشارك الرَّبَّ في صومه. ولكنَّ الصَّومَ الَّذي يُرضي الله هو: أنْ “تَـحِلَّ كلَّ قيود الإثم، وتقطَعَ رُبُطَ الغشّ (…). وأنْ تكسرَ خبزَكَ للجائع، والغريبَ تُدخلُه بيتَك. وإذ ترى العريان تَكسوه” (إش 58: 6-7). فقد قالَ الربّ: “ليس ما يدخل الفم ينجِّس الإنسان، بل ما يخرج من الفم هو ما ينجِّس الإنسان” (مت 15: 11).

ويورد أفراهاط الحكيم الفارسيّ († 345)، في المقالة الثَّالثة: في الصَّوم، ما يلي: “أيُّها العزيز! إنَّ الصَّوم عن المآثم كان أبدًا الأفضل. إنَّه أفضلُ من الصَّوم عن الخبز والخمر (…). مَنْ فَقَدَ نقاوةَ القلب، فصومُه غير مقبول. إذا صام الإنسان عن الخبز والماء، فلا ينبغي أنْ يمزج بصومه التَّجاديف واللَّعنات”.

تقدَّس آباؤنا الأوَّلون ليس لأنَّهم صاموا مِنْ نصف اللَّيل إلى نصف النَّهار فحسب، بل لأنَّهم قرَنوا الصَّوم عن المأكل والمشرب، بعيش حياةٍ مسيحيَّةٍ فاضلة، وبشهادةٍ صادقةٍ ليسوع المسيح.

ما فائدة الصَّوم المادِّيِّ إذا كُنَّا نعيش الخِصام والنَّزاع والحقد. وما أجمل الصَّوم الَّذي يترافق والصَّفْح والغفران تُجاه الَّذين أساؤوا إلينا.
ما فائدة حرمان الجسد من الأطعمة، إذا كُنَّا لا نُغذِّي الآخرين ممَّا نحرم نفسَنا منه.
ما فائدة الإماتة والقِطاعة، إذا كانت لا تسهم في تنقية قلبنا وتصفيته من الشُّرور وتصفية الحسابات.
ما فائدة الصَّوم الجسديّ، إذا كان لا يقودنا إلى حياة صلاة، وإلى اتِّحادٍ شخصيٍّ بربِّنا يسوع وبأبيه وأبينا.

نتلهَّى بقشورٍ مرتبطةٍ بكيفيَّة الصَّوم ومواقيته، وننسى أنَّ الأساس فيه هي علاقتنا بالله وعلاقتنا بالقريب.
نتلهَّى بمراقبة النَّاس: مَنْ يصوم، ومَنْ لا يصوم، بدلًا مِن أنْ نركِّز على الأساس، أي تمتين علاقتنا بكلمة الله: قراءتها والتَّأمُّل فيها ونشرها؛ وتمتين علاقتنا بأخينا، ولا سيَّما الفقير والمعوَز والمهمَّش، عبر مساعدته.
نتلهَّى بمراقبة قلوب الآخرين لنسبر أعماقها، وننسى أنْ نلتَفِتَ إلى قلبنا، لنرى ما يجب أنْ نُصلِح فيه، ليصبح قلبُنا مِثْل قلب ربِّنا، وديعًا ومتواضِعًا ومُـحِبًّا وحنونًا ورحومًا.
أيُّ صَومٍ يقبلُه الله؟

هو يقبل كلَّ صومٍ لا غشَّ فيه ولا كبرياء. ولا رياء.
وهو يقبل كلَّ صومٍ يترافق والصَّلاة والتَّوبة والغفران والمسامحة.
وهو يقبل كلَّ صومٍ يسهم في تغيير حياتنا وتبديلها، لتصير حياةً تُرضي الله.
فليتأمَّل كلُّ واحدٍ منَّا كيف يصوم؟ وإذا كان صومه مقبولًا مِنَ الله؟

الخوري دانيال زغيب – خاص ايماننا Imanouna

Related posts

مناجاة الى مريم : السَّلامُ عليكِ …

imanouna imanouna

التَّضامن المجتمعيّ

imanouna imanouna

المرافقة الرّوحيّة بقلم الخوري جان بول شربل

imanouna imanouna