دير مار يوحنَّا المعمدان – رشميَّا دير مار يوحنَّا المعمدان – رِشْمَيَّا (عاليه – جبل لبنان)،
من المواقع الأولى والأساسيَّة التي ساهمت في انتشار الرهبانيَّة، وانطلاقتها الفاعلة إشعاعًا وشهادةً بين جميع اللبنانيِّين.
أسَّس هذا الديرَ الشيخُ الحاج يوسف صقر (سعد)، سنة 1686، كما هو مثبتٌ في التاريخ المنقوش في لوحةٍ صخريَّةٍ فوق باب كنيسة الدير القديمة، وهذا نصَّه: “قد أنشأ هذا البنيان وشيَّد هذه الأركان مقامًا لمار يوحنَّا المعمدان، الحاج يوسف صقر خليفة بيت سعد المرحومين. يرجو الذكر الصالح ودعاء المؤمنين، وذلك في عهد رئاسة الحبر المفخَّم مار إسطفانوس الدويهي البطريرك المحترم ومار يوسف الحصروني المطران النبيل والخوري ابراهيم، تحريرًا في سنة 1686”.
وبعد عشر سنواتٍ على نشأة الرهبانيَّة اللبنانيَّة المارونيَّة، سنة 1695، كَثُرَ عددُ أبنائِها، واتَّسع انتشارها، فتوجَّه المؤسِّس الأب العام عبدالله قرأعلي (1699-1716)، في سنة 1706، إلى بلاد الشوف، ونزل ضيفًا في الدير المذكور. وكان يسكنه الخوري ابراهيم بن حجرة الغزيري، والقس يوحنا الرشماوي. وفي السنة عينِها، تسلَّمت الرهبانيَّة الدير، وكان مؤلَّفًا من كنيسةٍ صغيرةٍ ومسكن. فنَقَلَت إليه قسمًا من رهبان دير مار أليشاع النبيّ – بشرِّي، واشترت له أملاكًا. كان هذا الدير الثالث بعد ديرَي مُرت مورا ومار أليشاع النبيّ، وأصبح، بعد القسمة، الأوَّل في الرهبانيَّة اللبنانيَّة المارونيَّة. فضلاً عن إنشاء البساتين وزَرع الأراضي، أقامت الرهبانيَّة في هذا الدير مدرسةً لتعليم الأولاد، وأحدثت فيه إصلاحاتٍ عديدةً، وأكملت بناءَه وبناءَ كنيسته.
بين سنتَي 1707 و1749، كانت مسؤوليَّة إدارة ديرَي مار يوحنَّا المعمدان – رشميَّا ومار أنطونيوس – سير مشتركةً، إذ كان أحدُهما يُضمّ إلى الآخر في بعض الأحيان. وفي سنة 1754، أمَرَ الأمير ملحم شهاب بطرد الرهبان اللبنانيِّين من دير رشميَّا. ولكن، في مجمع حريصا، سنة 1770، تمَّ تثبيت الدير نهائيًّا للرهبانيَّة اللبنانيَّة. وادَّعى آل أبي صابر، سنة 1810، ملكيَّة دير رشميَّا، إلاَّ أنَّهم ما لبثوا أن أسقطوا حقَّهم في الدعوى، بعدما بيَّنت لهم الرهبانيَّة المستنداتِ التي تثبت ملكيَّتَها للدير المذكور.
لم يَسلم هذا الدير من النكبات. ففي سنة 1860، نال حظَّه الوافر من النهب والحرق. لكنَّ الرهبانيَّة لم تتوقَّف عند هذه السلبيَّات، بل هبَّت تتابع حضورَها الفاعل ورسالتَها في كلِّ المنطقة. بين سنتَي 1913 و1923، أنشأت الرهبانيَّة، في جوار الدير، مدرسةً، ورفعت مستوى التعليم فيها، حتَّى غدت من المدارس الحديثة في تلك الفترة، وهي المدرسة الثانية للرهبانيَّة بعد مدرسة مار يوسف – المتَين؛ ومن ثَمَّ، وضعتْها بتصرُّف الدولة، فأصبحت مدرسةً رسميَّة.
وبين سنتَي 1962 و1965، أُدخِلت إصلاحاتٌ وتحويراتٌ داخليَّةٌ مهمَّةٌ على الدير. في أثناء حرب الجبل الأخيرة، سنة 1983، هُدِّم الدير والكنيسة، ونُهِبت جميع محتوياتهما، فبادرت الرهبانيَّة كعادتها، ترمَّم وتشجَّع المهجَّرين، من رشميَّا ومن كلِّ الجوار، على العودة إلى ديارهم وأراضيهم، مواصلةً بذلك رسالتها العريقة. كما أصلَحت الكنيسة القديمة، فأصبح المؤمنون يستخدمونها لمقتضيات واجباتهم الرعويَّة.
وفي آب 1995، قرَّر مجمع الرئاسة العامَّة للرهبانيَّة ضمَّ دير مار يوحنَّا – رشميَّا إلى دير القدِّيسة تقلا – وادي شحرور. وبوشِر، في حينه، التحضير لِوَرشة ترميمٍ وبناءٍ جديدٍ بَدأ تنفيذُها في خريف 1996.
الرهبانية اللبنانية المارونية