الخوري دانيال زغيب – ايماننا
كم مرَّةً نستعمل كلمتَي “مْنَوَّر” و”حلو”، في أدبيَّاتنا، عندما نلتقي بأشخاصٍ يبان على وجوههم نورٌ وبهاءٌ وجمالٌ يؤثِّر فينا. أو نقول أيضًا: “الله ينَوِّرْ علَيكْ”، لِمَنْ نحبُّهم، لكي نستمطر عليهم رضى الرَّبّ وبركاته. وجميعنا نرغب في أنْ تكون حياتُنا “مُنَوَّرةً”، وأن نبان جميلين وأنْ نتمتَّع بجمال الخلْق والمخلوقات. والله نفسه، مِنْ بعدِ أنْ خلَقَ السَّماوات والأرض، خَلَقَ النُّور، وقال: «”ليَكُنْ نورٌ”، فكان نور. ورأى اللهُ أنَّ النُّورَ حسنٌ» (تك 1: 3-4). وتردَّدَتْ عبارة: “رأى اللهُ أنْ هذا حسنٌ”، مرَّاتٍ عديدة، في سِفْر التَّكوين؛ وفي ذلك إشارةٌ إلى جمال ما أبدعَه اللهُ في الخلْق. وإذا عُدْنا إلى أفلطون، نجده يقول إنَّ “الخير الأسمى” (هو تعبير عن فكرة الله لديه) أوجد كلَّ شيءٍ جميلًا، وإنَّه يُنير الإنسان.
ويسوع المسيح، أورد عن ذاته: “أنا نورُ العالم، مَنْ يتبعني لا يمشي في الظَّلام” (يو 8: 12). وعن المسيح-النُّور، قال مار صفرونيوس: “جاء النُّور من العُلى وزارنا ليُنيرَنا (…). يليق بنا، إذًا، أنْ نسير وبأَيدِينا الشُّموع (…)، لنُشيرَ إلى النُّور الَّذي أضاءَنا وندُلَّ على البهاء الَّذي سيحصل لنا فيما بعد”.
يرتبط النُّور الَّذي يشعّ من المسيح بالبهاء أو بالجمال الَّذي يصدر منه: فالمسيح هو النُّور والجمال اللَّذان يُنيرَان حياتنا ويُـجَمِّلانها. ويُشدِّد أغسطينُس على أنَّ نور المسيح يُضيءُ الإنسانَ من الدَّاخل. وما هذا النُّور سوى “المعلِّم الدَّاخليّ” الَّذي يكشف للمسيحيّ المعرفةَ الضَّروريَّة لخلاصه، ويملأه فرحًا وابتهاجًا. وكما الشَّمس هي مصدر النُّور الَّذي يسمح برؤية الأشياء، هكذا الله هو النُّور الرُّوحيّ الَّذي يمكِّننا من معرفة الحقائق السَّامية، كالحياة والموت والألم والحبّ. من هنا أهـمِّيَّة علاقتنا بيسوع-النُّور لتستنير حياتنا، ولنتمكَّن من تخطِّي صعوبات الحياة وضيقاتها، فنصير بدورنا “نور العالم” (مت 5: 14)، كما قال هو عنَّا.
والإنسان الـمُنَوَّر هو الإنسان الَّذي صار جميلًا بفعل ارتباطه بيسوع النُّور والجمال المطلق، جمال الإله الكامل والإنسان الكامل؛ وهذا الإنسان هو الَّذي يعكس الجمال الَّذي فيه إلى الخارج، إذ لا يمكن أنْ يكون الإنسان جميلًا سوى إذا شعَّ جمالُه تجاه الآخرين. ويقول أفلطون إنَّ “الجمال هو وهج الإنسان العاقل”. والجمال، كالنُّور، لا ينوجد سوى في ما هو ظاهر.
لذا، يسعى الإنسان المرتبط بالله أنْ يعكس جمال الله، واختباره وإيَّاه، إلى الآخرين لكي يستنيروا ويفرحوا بالجمال الإلهيّ والإنسانيّ. وإذا بقيَ الجمالُ أسيرَ أنانيَّة الإنسان، يفقد “جمالَهُ” ويتحوَّل إلى بشاعةٍ وقُبْح. وبالنِّسبة إلى الفيلسوف الكبير هانز-جورج غادامِر، الكَينونة (Être) هي “إمكانيَّة ظهور، وفيضٌ من الذات، وإشعاعٌ كالشَّمس”. فلن يكون الإنسان إنسانًا سوى بمقدار اعتلانه للآخرين اعتلان الجمال والصِّدْق والحبّ والحنان والوفاء؛ وبمقدار ما يُعطي من ذاتِه من أجل الخير العامّ وخير الآخر، كلِّ آخر؛ وبمقدار ما يعكس الجمال الدَّاخليّ الَّذي يتمتَّع به، ويشاركه والآخرين.
في عيد الميلاد، بان يسوع نورًا وجمالًا فائقَي الوصف. بان يسوع طفلًا جميلًا يعكس جمال الطُّفولة وبراءتها؛ طفلًا، لا لكي نبقى أطفالًا، بل لكي يُعلِّمنا أنْ نسلِّم حياتَنا بين يدَيه، كما سلَّم يوسفَ ومريم حياتَه وتربيته، وكَبُرَ معهما ونمى. وبان يسوع طفلًا جميلًا لكي يعلِّمنا أنَّ حياتنا مسيرةٌ طويلةٌ قابلةٌ للنموّ، ولا تكتمل إلَّا عندما نبلغ إلى ملْء قامته؛ ولكي نفهم أنَّه علينا أنْ نعكس الجمال الَّذي فينا، فنجمِّل حياة مَنْ نلتقي بهم.
الخوري دانيال زغيب – ايماننا