وسط الملمّات الكبرى، يطرح المؤمن الأسئلة الآتية: ما دور العناية الإلهيّة بعد وقوع الكارثة؟ هل ينقذ الله أشخاصًا في حين يترك آخرين يموتون؟ لماذا لا يتدخّل الله ليضع حدًّا للشرّ في العالم؟ هل يحفظ إلهنا أيقونة في حين يهمل أبناءه ولا يحميهم من الموت؟
بعد انفجار بيروت الذي خطف أرواح المئات من الشهداء وسبّب آلاف الإصابات وشرّد الكثيرين، ما الأجوبة التي تعطيها الكنيسة ردًّا على الأسئلة المطروحة آنفًا؟
أكد الأب بيتر حنا، كاهن رعايا فالوغا وحمّانا والشبانيّة للروم الكاثوليك، لأليتيا أن لله حكمة في تدخّله، موضحًا: “عندما نسلّم حياتنا بشكل كامل إلى الربّ، سنؤمن أنه يرافقنا في كل الظروف وليس فقط لينقذ حياة أو جسدًا من الموت”.
وأضاف الأب حنا: “في ما يتعلّق بالتدخّل الإلهي في الأحداث السابقة، إن تدخّله لا يقتصر على إنقاذ جسد من الموت، حتى الذين قضوا في انفجار بيروت، توفّوا نتيجة خطأ معيّن وإهمال الآخرين، والتفجير هو نتيجة الاستخدام الخاطئ لحريّة البعض في حين دفع الآخرون الثمن”…
هل حُجبت العناية الإلهيّة عن أمّهات الشهداء؟
أوضح الأب حنا أن الاعتقاد بأن الله أنقذ حياة شخص ما في حين ترك آخر يعيش خاطئ لأن الله يحترم حريّة الإنسان.
وأجاب عن السؤال الآتي: “هل حُجبت العناية الإلهيّة عن أمّهات الشهداء؟” بالقول: “طبعًا، لم تُحجب لأن العناية الإلهيّة متواصلة، وإن مات الأبناء، فهي تتجلّى في استقبالهم في الملكوت. عندما يموت الناس، نصلّي من أجلهم لأن الموت لم يُنْهِ عناية الله بأبنائه. بالتالي، ترافقنا عنايته في كل الظروف، ليس فقط لتنقذنا من الموت، ويجب على المؤمن أن يتقبّل الأحداث ويقرأها على ضوء الإيمان، ويشكر الله قائلًا: لتكن مشيئتك”.
وشدّد الأب حنا على أن الموت لم يعد شرًّا بعد موت المسيح، شارحًا: “أحيانًا، نعتقد أن أعظم تدخّل إلهي يكمن في إنقاذ جسد من الموت في الوقت الذي نغفل فيه عن الحقيقة المتمثّلة في أن الموت الحقيقي هو الموت الروحي في مقابل معنى الحياة الحقيقية في ولادة الإنسان مع المسيح… عندما نحتفل بأعياد القديسين، نختار تاريخ وفاته الذي أصبح ولادة جديدة في الحياة الأخرى مع المسيح ما يعني أن مفهوم الموت تغيّر في الإيمان المسيحي”.
هل تخلّى الله عن ابنه عندما تركه يموت؟
أما عن السؤال الآتي: “هل يقتصر الخلاص على أشخاص مختارين؟”، فأجاب الأب حنا مردفًا: “قالوا ليسوع: إن كنت ابن الله، فانزل عن الصليب! (مت 27: 40)، فهؤلاء يمثّلون الأشخاص الذين يعتبرون أن العناية الإلهيّة لم تتدخّل لأن الشخص مات”.
وقال: “إن الله ترك ابنه يموت، ولا يعني ذلك أنه تخلّى عنه بل بالعكس اختار احترام حريّة الناس وإن قرّروا قتل ابنه”، مضيفًا: “في النهاية، انتصر الحبّ الذي غلب الموت”.
ورأى الأب حنا وجوب قراءة الحياة على ضوء حريّة الإنسان لأننا نعيش في عالم يطغى عليه الاستخدام الخاطئ للحريّة ولا يخلو من الشرّ في حين ندفع الثمن في أغلب الأحيان.
وأكد أن حريّة الإنسان هي حدود الله لأنه يحترم حريّته في قربه وبعده عنه، لافتًا إلى “أن ربّنا لا يتركنا، وإن وقعت المصيبة أو الوفاة، لكنه يرافقنا. إن دور الله يتجلّى في المرافقة إذ يأخذنا بعيون قياميّة، لذلك، لا يمكن للموت أن يتغلّب علينا”.
الربّ يحوّل المصائب إلى قصص بطولة
وتابع الأب حنا قائلًا: “وسط الآلام، يحوّل الربّ المصائب إلى قصص بطولة وحبّ.
أحيانًا، يستغل الشيطان آلامنا كي يبعدنا عن الله.
مع الربّ، نستثمر الآلام لنثبت في الإيمان والرجاء ونلمس حضور الربّ في حياتنا”.
وعلّق الأب حنا على إمكانيّة اعتبار بقاء أيقونة أو تمثال ديني في حالة سليمة في منزل مدمّر إشارة سماويّة بالقول: بعد الحدث الأليم، نرفع الشكر إلى الله، ونعتبر ما حصل علامة رجاء، من دون أن ننسى تعرُّض كنائس عدّة للتدمير أو الاحتلال، وليس هذا الأمر مؤشّرًا إلى غياب الله.
وختم داعيًا إلى عدم التباهي ببقاء الأيقونات أو التماثيل سليمة احترامًا لشعور الأهالي الذين خسروا أبناءهم، ومؤكدًا أن الموت ليس نهاية بل إننا نحيا الرجاء، فإذا عشنا نحيا مع المسيح، وإن متنا سنكون معه.
أليتيا