هو العجوز صاحب اللحية الرمادية والوجه المحفور بالتجاعيد، والمتحدّر من ميديلين الواقعة شمال غرب كولومبيا. هو الذي قبل دخوله المحبسة قال: “المال لم يجلب لي السعادة، بل على العكس، كان يتسبب لي بالهموم. فقررت ان اترك كل شيء وان البي نداء الله”. فكان حبيساً تقيّاً من نصيب الرّهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة.
كان الاب داريو يعيش في حيٍّ راقٍ وفي منزلٍ واسعٍ ومريح مع والديه واشقّائه وشقيقاته، الّا انّه تخلّى عن كلّ شيء وتبع يسوع.
ترك داريو اسكوبار عائلته الثريّة في كولومبيا وانتقل الى لبنان ليستقر في وادي قاديشا. ومن محبسة احلامه المحفورة في الصخر يردد على زوّاره: “من يتذوق هذه الحياة، لا يعود يرغب في حياة اخرى”.
وادي قنوبين، من أعمق وديان لبنان ويجري في عمقه نهر قاديشا الذي ينبع من مغارة تقع عند أقدام أرز الرب التي تُشرف عليها “القرنة السوداء”، أعلى قمم جبال لبنان.
تحوّلت كهوف هذا الوادي إلى كنائس وصوامع وأديرة وتعاقب على السكن فيها الرهبان والنساك والمتوحدون.
امّا المحبسة التي يسكنها الأب داريو، فتقع في دير سيدة حوقا في الوادي الذي يعرف ايضاً بِ “وادي القديسين”، وتعود هذه التّسمية الى كثرة الأديرة والمحابس فيه.
لا تصل السيارة الى محبسة حوقا، ما يفرض وجوب سلوك الطريق الوعرة سيراً على الأقدام للقاء الأب الحبيس. في هذه المحبسة، يرى الأب داريو انّه بلغ سلاماً داخلياً ولن يغادرها مقابل ايّ ثروةٍ مهما كبرت”. ولا يصدر هذا الكلام عن داريو عبثاً، بل عن خبرةٍ اذ كان رجلاً صاحب ثروةٍ كبيرةٍ ورثها عن والديه.
طيلة ثلاثين عاماً، كان النّاسك ينام على فراش رقيق من الاسفنج ويلقي رأسه على حجر. وغرفته الصغيرة خالية الّا من لوح خشبي صغير يقوم مقام الطاولة وصليب وشمعة ومنبه. يقضي 14 ساعة في الصلاة، وثلاث ساعاتٍ يخصّصها يوميّاً لزراعة حديقته، واثنتان لمطالعة كتب روحية، وخمس ساعات للنوم.
امّا مأكله فكان يقتصر على الزّرع، وبعض الوجبات التي يحضرها اليه الرّهبان من الدّير المجاور. ورداؤه عبارة عن ثوبٍ رهبانيٍّ بالٍ، وأيّامه تمرّ من دون تلفازٍ او هاتف او ايّ وسيلة اتّصالٍ مع العالم الخارجي.
ليصير حبيساً، كان على اسكوبار ان يتحوّل الى المارونيّة التي تتبع الكنيسة الكاثوليكيّة، بعد ان التقى براهبٍ لبنانيٍّ مارونيّ في الولايات المتّحدة واخبره عن الوادي المقدّس ومحابسه. في هذه الفترة كان داريو يمرّ بفترةٍ صعبةٍ من القلق والتّساؤلات، وعندما التقى الراهب اللبنانيّ فهم دعوة الرّبّ له.
الى جانب اللغة الإسبانيّة الأمّ، يتقن الاب داريو الفرنسيّة والإنكليزيّة بالإضافة الى بعض الكلمات العربيّة.
في هذا المكان النائي الذي يشهد بردا قارسا في فصل الشتاء احيانا والذي يسوده صمت عميق، امضى اسكوبار سنوات حياته غير شاعرٍ بالملل.